حينما تكون الكاميرا بين يدي الأنثى (قراءة في ملصق المهرجان الدولي لمدارس السينما بتطوان)

حينما تكون الكاميرا بين يدي الأنثى (قراءة في ملصق المهرجان الدولي لمدارس السينما بتطوان)

حينما تكون الكاميرا بين يدي الأنثى
(قراءة في ملصق المهرجان الدولي لمدارس السينما بتطوان)

تشكل الملصقات السينمائية، سواء تلك الخاصة بالأفلام أو تلك المتعلقة بمهرجاناتها، عتبة وخطابا بصريا، من خلال تحليلها، من الممكن الوصول إلى بعض العناصر المؤسسة لها. تفكيكها، وفق مقاربات منهجية عديدة، تمرين منهجي مولد للذة القبض على بوحها وما تخفيه من معان و/أو دلالات عديدة.
ملصق المهرجانات والأفلام، الخ، خطاب بصري له وظائف عديدة، طبعا، وفي مقدمتها الوظيفة الجمالية، المساهمة في التربية على الذوق/البصر في مجتمع لازالت الأمية البصرية تفعل فعلها كما يحلو للراغبين في ترسيخها بشكل واع أو غير واع.
وفق ما سبق، من الممكن تفكيك وتحليل بعض مكونات ملصق المهرجان الدولي لسينما المدارس بمدينة تطوان. هو مهرجان مختص في سينما المدارس تنظمه كلية الاداب بمارتيل وجمعية “فداك”، وهي جمعية تحول تجميع حروفها إلى ما هو فدائي (التضحية من أجل السينما/الصورة/الجمال). من خلال تأملنا لهذا الملصق/الخطاب البصري، من الممكن استخلاص العناصر المكثفة التالية:
– الرهان على المرأة/ الأيقونة المحيلة على الجمال .
– مكونات الجمال هنا حاضرة في كل ثنايا/أنحاء الملصق( الفم المبتسم/اللباس التقليدي/ الشعر/…)
– الكاميرا الأنثى هنا هي بين يدي الأنثى. لا خير، وفي نظر أهل التصوف، في مكان لا يؤنث. هنا كل مكونات هذا الخطاب البصري يتماهى مع ما هو أنثوي ( المرأة (الشابة) والكاميرا والسينما والمدارس/ تطوان(الحمامة) …). بنية معجمية تهيمن عليها دلالات الأنثى، وهو ما جعلنا فعلا أمام خطاب بصري جمالي متكامل.
حضور الأنثى، هنا، خطاب محفز لتكسير البنية الذكورية المهيمنة على القطاع البصري برمته، لاسيما في مجتمعاتنا العربية، والتي لازالت ذهنياتها تموقع السينما ضمن تمثلات رهيبة مقرونة ب”اللااخلاق”، مع العلم أن هذه المجتمعات العربية، هي من أكبر المجتمعات المستهلكة للصورة دون وعي بقيمتها وجمالياتها وكيف أن المرأة حينما تمسك الكاميرا قد تقدم لنا فعلا بصريا أكثر جمالا من ذلك الذي يقدمه الرجل، وهو، متلبس ب”فوقانيته” الثقافية الذكورية الدائمة.
هو، إذن، ملصق/خطاب بصري يراهن على الجماليات التي استمدها من المرأة/الجسد ومن المرأة/الكاميرا ومن المرأة/ اللباس، ومن المرأة/ الرؤيا( وليس فقط الرؤية)، الخ، مع توظيف لوني لطبيعة اللباس التقليدي الضارب في تربة العراقة، وهو ما جعلنا “نتلذذ” بصرياته ونوقف زمن القراءة لنستحضر ما لدينا من نساء وهن ساكنات في وعينا/لاوعينا.
عموما، يشكل هذا الملصق/الخطاب، دعوة جمالية للتأمل واستخراج العديد من الدلالات. نحن هنا أمام حضرة السينما والتي لا تحقق متعتها بمعزل عن الأنثى/الجمال. جمال الصورة هنا وجمال المرأة، لا يمكن فهمهما بمعزل عن سؤال مدارس السينما. هي مدارس متعددة، وحتما مولدة للعديد من النوافذ التي من خلالها من الممكن أن تحلم كل أنثى راغبة في أن تمسك بل وتنزع كاميرتها لتحكي لنا حلمها بوحها.
عناصر عديدة في هذا الملصق، هي، بمثابة شخصيات فاعلة في الحكي . الكاميرا، اللباس التقليدي، الظلام (خلف الأنثى) الخ، هي بمثابة شخصيات فاعلة ومخلخلة للمتلقي الذي ألف الحكاية الذكورية في مجتمع ذكوري، لازال، لم يتصالح مع ذاته ومع الآخر والعالم ككل.
هي (أي الأنثى) ترتدي عراقتها الثقافية الشعبية، ومن خلالها من الممكن أن تبوح بصورة/صور تبدعها بيدها/قلبها وبصيرتها الفنية، عوض أن تبقى دوما في خانة من تتلقى هذه الصورة النمطية عن ذاتها .
الحق في الحلم، والبوح بصورة حالمة وحرة ومولدة لدلالات حالمة متعددة، هو رهان مراهن عليه في هذا المهرجان ومدارسه (رؤاها). نحن، إذن، أمام ملصق/خطاب حالم وراغب في خلخلة صورة ذكورية جاثمة على قلوبنا(ما قد يحيل عليه الظلام الموجود خلفها) ومنذ عقود. صورة لا يمكن زعزعتها الا بتمكين الأنثى بحكي حدوثتها البصرية بنفسها وبمعزل عن رقابة مجتمعية مخدومة تاريخيا لصالح فكر ذكوري لم يقدم فعلا نهضويا حقيقيا، بل رسخ خطابا بصريا معرقلا لكل لمسة جمال …
د. الحبيب ناصري

Related posts