الفنانة والكاتبة لبابة لعلج إنسانة حالمة في عينيها نشوة عصفور

الفنانة والكاتبة لبابة لعلج إنسانة حالمة في عينيها نشوة عصفور

توقع بالمعرض الدولي للكتاب همس الصمت

يستضيف المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 29 بالرباط، الكاتبة والفنانة التشكيلية لبابة لعلج، وذلك يوم السبت 11 ماي الجاري بدء من الثالثة زوالا برواق رابطة كاتبات المغرب، في حفل توقيع مؤلفها “همس الصمت”.
هذا اللقاء الفني والثقافي، سيقدمه كل من الإعلامي الدكتور طلحة جبريل والدكتور محمد اشويكة، ترجمة الدكتور عبد الله الشيخ.
وفي شهادة لطلحة جبريل بعنوان “رسم بالكلمات وصمت يتحدث”، يقول “تقرأ كلمات لبابة لعلج وتتأمل لوحاتها في عملها الجديد “همس الصمت”، فيتولد لديك انطباع بأن هذه المبدعة تكتب رسومات وترسم كلمات على جدار الزمن، وبذاكرة فيها الكثير من الحروف والألوان والأضواء والظلال، فيها الإنسانة التي تمزج مزجاً مدهشاً بين الشعر والرسم، وتقودك في بهو إبداع فسيح.

 


تمنح بهذه الكلمات للمتلقي الانطباع بأنها لا تكتب، تبدو عندما تهمس بهذه الكلمات كأنها تلتقط قطعاً من عملة أثرية نادرة. حين تقول: “أنام أو أستيقظ دون أن أنزعج” تبدو كأنها تكتب بخليط من الوعي والوعي. نعم الوعي والوعي. توظف “لبابة” كلمة الصمت توظيفاً مدهشاً، إلى حد أنها تحاول تجسيده كي نراه: الصمت متعدد وأصداؤه متنوعة. ي هول الاغتصاب يقطع الأنفاس، يجعل الشعر ينتصب والظهر يقشعر”.
وأضاف “تقرأ أبياتها وعندما تصل إلى قصيدة”أمي سامحيني”تشعر فجأة أن فجوة كبيرة حدثت في الظلام نفذ منها صوت حزين هذه المرة، حزن أعمق من غور النهر، صوت يقول: “أمي، سامحيني مجدداً، لم أكن أدري أي شيء !..أنت، رافقت آلامي خطوة بخطوة”.
في الجزء الأول من الكتاب، اختارت الشاعرة أن تكتب كتابات مفتوحة، لكنها بعد ذلك تروي حكايات ربما عن أشخاص في قاع الذاكرة، ربما عن نفسها. وتساءل طلحة جببريل “هل كانت تدين لعزيمة أمها بحياتها” ثم علامة استفهام. وتمضي لبابة متسائلة:”هل كانت تدين لحب أمها بحياتها” ثم علامة استفهام. وتزيد: “المولود ماذا كان يريد” ثم علامة استفهام. وتختم قائلة: “هل كانت مدينة” ثم علامة استفهام.


في قصيدة “رسالة شجرة” تقول: “أغمضت دنيا عينيها واتصلت بها. سؤالها يبرز من صميم قلبها”. هذه الأسئلة تصب في اتجاه يجعل القارئ يسأل بدوره: هل “دنيا” هي “لبابة”، أم يا ترى طفلة مفترضة؟”.
ولفت الى ان الجزء الثاني من الكتاب، تتداخل النصوص مع اللوحات التي رسمت بالألوان والأبيض والأسود. أصبح لكل نص عنوان من كلمة واحدة: كالتالي “الهجر” و”الرفق” و”الجمال” و”الصرخة” و”القلب” و”التبعية” و”الرغبة” و”علم” و”الفضاء” و”الاستيهام” و”السخي” و”الكياسة” و”الصدفة” و”الهول” و”الوهم” و”البراءة”. في مرة واحدة فقط كان العنوان من كلمتين “مشهد أخاذ”.ظني أن هناك خيطاً رفيعاً يربط بين هذه العناوين، سأختار له بدوري كلمة واحدة وهي “الإنسان”.
لعل من مفاجآت هذا الكتاب وفكرته النادرة بأن تفصح الكلمات والألوان في صمت، إنه يشتمل كذلك على اقتباسات دالة.
توظف لبابة الألوان بكيفية مبهرة، إذا تأملت لوحة “الدجاجة تبيض ذهباً”،والتي كتبت عنها جملة توضيحية تقول:”مادة مختلطة على القماش”، ستجد أنها عبارة عن زفة ألوان، والدجاجة تطلب وجه آدمي.
في لوحة “حورية ملكية” سنجد شخصية فيها لمسة من الغموض ولمسة من العبوس ولمسة من المرارة، ولكن أيضاً نظرات فيها الكثير من التأمل.
واوضح في شهادته “التقيت الشاعرة لبابة لعلج مرتين، لقاءين مطولين، وجدتها إنسانة حالمة، لكن لا تفرض أحلامها على أحد. في عينيها نشوة عصفور. إنسانة تتميز بذكاء مرهف وروح مرحة وتشيع الابتسامة والتفاؤل على من حولها. تتحدث دائما بتهذيب وبصوت خفيض وبتواضع. انها حقاً شاعرة”.
اما محمد اشويكة في شهادة عنونها ب”أبجدية الصمت المرهفة”، فيقول” يعاني المشهد الثقافي المغربي والعربي عامة من ندرة المؤلفات والإبداعات التي تُعْنَى بالجمع بين المكتوب والبصري كاستلهام اللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية أو الانفتاح على المجال الأيقوني بشكل عام بالنظر إلى ما يمكن أن يرفد به الكتابة على مستوى إغناء التأويل، ووضع الإبداع أمام إشكالات وإبدالات جديدة.
استطاعت الفنانة لبابة لعلج أن تخوض غمار تلك المزاوجة بروح إبداعية وتأملية متفردة، فهي التشكيلية والكاتبة في آن، وهي المنشغلة بأسئلة الألوان والكلمات، وما تفرضه تلك اللعبة الفنية من معرفة مسبقة واستعداد إبداعي خاص، لأنه يندرج ضمن نوع من الاجتهادات الذاهبة والراجعة من منطلقين جدليين مختلفين: جدل اللوحة والكتابة.
وَطَّنَت الفنانة لبابة لعلج عملها الإبداعي ضمن سلسلة “كتابات ولوحات” للإشارة إلى الجمع الواعي والمقصود بين اللوحة الفنية والكتابة الإبداعية المنفتحة على القصيدة والشذرة، وقد قسمت عملها الموسوم بـ”همس الصمت” إلى شقين اثنين: “همس وصمت” و”أبجديتي”، فجاءت الأعمال متصادية فيما بينها، تجمعها روح متدفقة من منبع واحد أساسه تلك الذات المتأملة والمتألمة التي يدفعها البحث عن الحقيقة نحو الانسيابية والبوح الروحي والعاطفي والوجداني.
سلكت الفنانة لبابة لعلج في كتابها هذا مسلك الكتابة الحداثية التي تسعى للإمساك بنص متحررمن بعض الإكراهاتالذاتية، فانتصرت للعين والنظر، وللبصر والبصيرة، فجاءت النصوص حبلى بالمكونات والإشارات البصرية اللافتة للنظر والتحليل.
وأضاف” ينقلنا هذا الكتاب من الحياة الضاجة التي نحياها،ويجعلنا في قلبالصمت النابض، ذلك أن الإنصات للذات يصير رديفا للوحدة الطوعية التي يعيشها الفنان أو المبدع قصد تبديد ظلمة الحيرة، واقتناص الوحدة الساعية لتحقيق السلام الداخلي وتجاوز الانتظارية الوجودية المتشائمة. لقد احتفىالجزء الأول من هذا الكتاب الفني بموضوعة الصمت بشكل كبير كما ينجلي في بعض النصوص من قبيل “الصمت الذي ينجب” و”الصمت يحجب عتماته” و”صمت المتوحد” و”صمت الأصم” وكأننا أمام نصوص حكمية عاكسة لنفسية صاحبتها التواقة إلى السكينة الداخلية، والراغبةبإلحاح في تجاوز أشواقها المرة،وذلك عبر الجمع بين أشكال تعبدية وروحانية تُعَبِّرُ عن العمق الإنساني الذي يمكن أن ينعكس صفاؤه الروحي ضمن تعبيرات جمالية تفيض عبر اللغة أو على سطح اللوحة.


لِكُلٍّ أبجديته، لكن أبجدية الفنانة لبابة لعلج ثنائية المنحى، فقد اختارت أن يكون لكل حرف مَنْحَيَان اثنان، وفي هذا التوظيف ولوجٌ لعالم المثنويات الآسر، فلطالما شغلت الثنائيات حياة الإنسان، وألهمت فكره ووجدانه، فالجسد يتضمن الثنائيات العضوية، والحياة طافحة بالثنائيات المتآلفة والمتضادة في آن، لكن تشغيلها الإبداعي يرتبط بمدى قدرة المبدع على التقاط اللامرئي، وتجسير علاقة القارئ به كما عملت على ذلك نصوص الأبجدية في هذا الكتاب، ساعية إلى وضع الواحد في مرآة توأمه كي يتحقق التكامل وتنكشف المعاني…
وشدد الكاتب والباحث الجمالي اشويكة” اعتمدت الكاتبة لبابة لعلج في كتابها الإبداعي “همس الصمت” (في شقيه الأول والثاني) على اعتماد مقتبسات استقتها من الفلسفة والحكمة والأدب، فضلا عن حضور أسماء الفلاسفة (فيتاغورس، سقراط، أفلاطون…) والأدباء والفنانين (أندي وارول، ييف كلاين…) ليس من أجل التوظيف فقط، وإنما لخلق نوع من السجال الفكري – هنا والآن – بين الذوات المبدعة التي غامرت بكل ما لديها كي تترك أثرا مغايرا. فالكتابة مغامرة، والكتابة المُغَامِرَة تجاوزٌ لذاتها. هكذا سعت لبابة لعلج إلى أن تخلق عالمها التعبيري الخاص داخل اللوحة والنص، وهي بذلك تحاول تثوير التعبيرية داخل بؤر رهيفة كي تتجاوز هشاشة الكائن الوجودية، والقبض على رهافة الحياة داخل دلائل اللغة في ارتباطها بالوجود. ونحن نفرغ من قراءة هذا الكتاب الماتع تشغلنا فكرة إبداعية ناظمة لتفاصيله: طموح الذات المبدعة لوضع أبجدية شفيفة للصمت”.

 

مصطفى الصوفي

Related posts