يترأس المخرج والمنتج سعد الشرايبي لجنة تحكيم مسابقة الدورة التاسعة لمهرجان السعيدية السينمائي (سينما بلا حدود)، المزمع تنظيمها من 28 إلى 31 غشت الجاري، وبهذه المناسبة سيتم تكريمه في حفل الإفتتاح ليلة الأربعاء 28 غشت 2024 ابتداء من التاسعة. فيما يلي ورقة عن هذا المخرج المثقف والنشيط، الدائم الحضور بفعالية ملحوظة في مختلف التظاهرات السينمائية المنظمة بمختلف ربوع المملكة:
يعتبر المخرج العصامي سعد الشرايبي، المزداد بفاس يوم 27 يونيو 1952، من وجوه الثقافة السينمائية البارزة والفاعلة بالمغرب، التي ترعرعت داخل حركة الأندية السينمائية، حيث راكم من خلال مساهمته في تأسيس وتسيير نادي العزائم السينمائي بالدار البيضاء، من 1973 إلى 1983، وانضمامه إلى المكتب الوطني المسير لجامعة الأندية السينمائية (جواسم)، خبرة نظرية وعملية في التنظيم الجمعوي والتدبير المالي وتحليل الأفلام وتنشيط جلسات النقاش والكتابة في الصحف وغير ذلك. ومما زاده فعالية ذكاؤه وتواضعه وسخاؤه وحبه اللامحدود للمعرفة وقدرته على المبادرة واستشرافه للمستقبل وعمقه الإنساني.
فهذه الخصال المقرونة بشغفه الكبير بالسينما وثقافتها ساعدته في الانتقال من ضفة المستهلك لصور الغير إلى ضفة المنتج لصوره الخاصة. وهكذا اشتغل مساعدا في إخراج الفيلم الجماعي “رماد الزريبة” (1976) ومديرا لإنتاج الفيلم القصير “الأيام المائة للمامونية” (1977) من إخراج مصطفى الدرقاوي، قبل أن يخرج باكورة أفلامه “بوعادل/من حياة قرية” (1978)، وهو فيلم وثائقي قصير، ثم يردفه بفيلم روائي قصير بعنوان “كلمات وتعابير” (1980) وبعدهما بالفيلم الروائي المتوسط الطول “غياب” (1982)، من تأليفه وإنتاجه وإخراجه ومن تشخيص ثريا جبران وعائد موهوب ومحمد كافي. بعد ذلك دخل تجربة الفيلم الروائي الطويل سنة 1991 بإخراجه “أيام من حياة عادية”، الذي ستتلوه أفلام روائية طويلة أخرى هي على التوالي: “نساء ونساء” (1998) و”عطش” (2000) و”جوهرة بنت الحبس” (2003) و”الإسلام يا سلام” (2007) و”نساء في المرايا” (2010) و”الميمات الثلاثة، قصة ناقصة” (2019) و”صمت الكمنجات” (2024). وبالإضافة إلى هذه الأفلام السينمائية أخرج أفلاما تلفزيونية قليلة وأنتج أو نسق إنتاج بعض الأفلام القصيرة…
ما يلاحظ على أفلام سعد الشرايبي الروائية الطويلة أن مواضيعها، باستثناء فيلمه الجديد الذي ركز فيه على التلاقح بين الأجيال في عشق الموسيقى، لم تخرج في غالبيتها عن ثلاث تيمات أساسية متداخلة فيما بينها: تيمة المرأة (وضعيتها وعلاقتها بالرجل في سياقات مختلفة)، تيمة الصداقة (خيبة الأمل في الحاضر والحنين إلى الماضي)، تيمة التاريخ القريب (العلاقة بالمستعمر الفرنسي، تأثيرات أحداث 11 شتنبر على العلاقة بين الشرق والغرب، مغرب سنوات الرصاص) .
تجدر الإشارة إلى أن سعد الشرايبي ليس مخرجا سينمائيا وتلفزيونيا فحسب، فمهنته الأساسية مرتبطة بالأدوية وتوزيعها، لأنه تابع دروسا جامعية بكلية الطب بالدار البيضاء، بشكل غير رسمي، كما تابع دروسا بالمراسلة في التواصل بجامعة فانسين الفرنسية في مطلع السبعينات من القرن الماضي. إن انخراطه في الحياة السينمائية المغربية كعاشق للسينما ومتتبع لجديدها، ثم كمبدع ومهني داخل غرفها وهياكلها المختلفة، جعله أحد مهندسي السياسة السينمائية بالمغرب في محطات تاريخية مختلفة بفضل أفكاره وتصوراته وتوصياته وقوته الاقتراحية، وبفضل نضاله إلى جانب سينمائيين آخرين من أجل تحسين شروط الممارسة السينمائية بالمغرب. فطيلة مساره السينمائي كان مناضلا ولا يزال، من مواقع مختلفة، من أجل نشر الثقافة السينمائية وتنظيم المهنة ودعم الجمعيات والتظاهرات السينمائية ماديا ومعنويا وتأطير الورشات وتنشيط الندوات والموائد المستديرة وغير ذلك.
أصدر سعد الشرايبي في مطلع سنة 2020 كتابا توثيقيا بعنوان “شذرات من ذاكرة… سينمائية” ضمنه عينة من كتاباته وتأملاته في واقعنا السينمائي وفي اللغة السينمائية وقضايا أخرى، كما ضمنه أيضا معطيات من تاريخ السينما وكواليسها ببلادنا عند إثارته لمواضيع تتعلق بالمهرجانات وجامعة الأندية السينمائية والمركز السينمائي المغربي والنقد السينمائي المغربي… كما صدر كتابان جماعيان لحد الآن حول تجربته السينمائية: الأول من منشورات الجمعية المغربية لنقاد السينما سنة 2006 بعنوان “التجربة السينمائية لسعد الشرايبي”، والثاني أصدرته جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية سنة 2013 تحت عنوان “سينما سعد الشرايبي.. بنياتها ودلالاتها”. وقد تميز مطلع سنة 2024 بإصدار سعد الشرايبي لكتابه الثاني “شذرات من مشاهد…”، وهو عبارة عن رواية يسرد من خلالها مجموعة من الوقائع والأحداث السياسية والإجتماعية والتاريخية والثقافية والفنية وغيرها، يتداخل فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي. ويمكن اعتبار هذا الكتاب الثاني بمثابة وثيقة مهمة تسلط الأضواء على أفلامه السينمائية والتلفزيونية وظروف إنتاجها، كما تسلط الأضواء على جوانب من سيرته الذاتية مع وضع كل هذه الجوانب في سياقاتها التاريخية منذ استقلال المغرب في منتصف خمسينيات القرن الماضي إلى حدود سنة 2023. الكتابان متكاملان يقربان القارئ المهتم من تاريخ السينما ببلادنا على امتداد ما يفوق نصف قرن من الزمان.
أحمد سيجلماسي