اقلام واراء
التعليم الأولي في القانون الإطار 51.17
تقديم
أصبح القانون الإطار 51.17، وثيقة تعاقدية مجتمعية ملزمة لكل الفاعلين والمتدخلين في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. هذا القانون هو اليوم مصدر لكل التشريعات القانونية المنظمة للفعل التربوي والتكويني والبحثي العلمي. به تقاس جميع الجهود المبذولة من لدن كل من له صلة بهذه الثلاثية التي هي اليوم المادة الرئيسية لهذا القانون الإطار، وأقصد، التربية والتكوين والبحث العلمي. ثلاثية بها تقدمت الدول ونالت نصيبها من الرقي والتقدم، ومن أمسك بها، أمسك بسر من أسرار الفعل النهضوي الحقيقي.
التعليم الأولي كمدخل لتكافؤ الفرص
من الصعب اليوم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الوارد في الدستور المغربي، دون جعل هذا النوع من التعليم ملزما للدولة والأسرة. ولعل من شارك وصاغ ووقع وتوافق حول هذا القانون الإطار، مدرك لأهمية هذه المرحلة في جعل المتعلم يمتلك مجموعة من المهارات والقيم والمعارف، الخ، وقبل التحاقه بمرحلة التعليم الإبتدائي، ناهيك عما يساهم به هذا النوع من التعلم في صقل وتقوية شخصية المتعلم، وجعله مستعدا للتعلم ورابطا صلة ود بينه وبين أقرانه والمدرسة ومدرسه.
في الصفحة الثانية من هذا القانون الإطار، وضمن الرافعات الرئيسية المحددة لفلسفة التربية والتكوين والبحث العلمي التي تؤطر هذا القانون، نجد ما يلي :
- جعل التعليم الأولي إلزاميا بالنسبة للدولة والأسر.
وفق ما جاء في هذه الرافعة، يصبح التعليم الأولي ملزما للجميع. من هنا من الممكن القول، إن هذا القانون الإطار، أدرك واستدرك عنصرا رئيسيا كان ينقص المنظومة سابقا، إذ لم تكن هذه الإلزامية حاضرة بشكل قوي وقانوني وإلزامي، مما خلق العديد من التفاوتات بين الأطفال (بين المدينة والقرية، وداخل المدينة نفسها لاسيما في الأحياء الشعبية).
تحديد سقف زمني ملزم للدولة في شخص الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لتعميم هذا النوع من التعليم الأولي، من الممكن، وبالمقارنة مع ما كان سالفا، القول إنه خطوة إيجابية وجب القبض عليها، لاسيما وأن التعليم الأولي وبموجب هذا القانون الإلزامي للدولة والأسرة، سيصبح في متناول القرى والمناطق النائية، مما سيولد حظا تربويا لكل الأطفال المغاربة.
في الباب الثالث وضمن المادة الثامنة، نقرأ تعريفا للتعليم المدرسي، ورد كما يلي :
- يشتمل التعليم المدرسي على التعليم الأولي، والتعليم الابتدائي، والتعليم الإعدادي، والتعليم الثانوي التأهيلي، ويعاد تنظيمه وفق ما يلي :
- إرساء التعليم الأولي وفتحه في وجه جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين أربع وست سنوات والشروع في دمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي في أجل ثلاث سنوات، ويشكلان معا “سلك التعليم الابتدائي”، على أن يتم فتحه في وجه الأطفال البالغين ثلاث سنوات بعد تعميمه.
من خلال هذه التحديدات الواضحة جدا، يتضح لنا أن التعليم الأولي هو اليوم مكون أساسي من مكونات التعليم المدرسي ككل، وجزء لا يتجزء من التعليم الابتدائي. هو اليوم حق من حقوق الطفل المغربي، على الدولة أن توفره لجميع الأطفال في سقف زمني محدد، وهو ما جعل كل الأكاديميات تنشغل بضرورة توفيره، بل وحتى مراكز تكوين المدرسين، لاسيما مدرسي التعليم الابتدائي، رفعت إيقاعات تكوينها الخاصة بهذا الجزء من التعليم، في أفق مد المدرس بالعديد من المجزوءات الخاصة بهذه الفئة (تخطيط وتدبير وتقويم محتويات هي اليوم موحدة وموحدة لكل أطفال التعليم الأولي وعكس ما كان سالفا).
وفق ما سبق نسجل أهمية وقيمة هذه المرحلة التعلمية الأولية. مرحلة كانت، وقبل صدور هذا القانون الإطار، غير ملزمة للدولة والأسرة، بل كانت سرا من أسرار خلق تفاوتات بين الأطفال، مما جعل من مبدأ تكافؤ الفرص غير حاضر وبشكل ملحوظ، وهو ما انتبهت إليه بشكل مبكر العديد من الدراسات والبحوث التربوية العلمية داخل وخارج المغرب)
لا داعي للتذكير مرة أخرى لما لهذه المرحلة من أثر قوي في بناء شخصية الطفل واعداده للتعلم والسير في مسيرته الدراسية، ليحقق لنفسه ما يصبو إليه. كل النظريات التربوية والنفسية والاجتماعية، الخ، تلح على أهمية هذه المرحلة في تقوية شخصية المتعلم وجعله على الأقل يكتشف عوالم خارجية غير تلك الموجودة في بيته وصحبة أبويه وبقية أفراد عائلته.
تكوين المدرس وإعادة تكوينه في هذا النوع من التعليم، يبقى جوهريا وأساسيا. مفتاح لابد منه لأجرأة كل ما ورد في التوصيف الخاص بهذا التعليم الأولي الذي هو اليوم ملزم للدولة والأسرة، دون نسيان دور المجتمع المدني الذي حث عليه هذا القانون الإطار لكي يكون حاضرا وبشكل بارز ليساهم في ربح رهان تحقيق الغايات المنشودة من هذا القانون الإطار ككل، وما يرتبط بهذه الفئة على وجه الخصوص.
خاتمة
ولوج المتعلم مرحلة التعليم الابتدائي وقد نال حقه الطبيعي من التعليم الأولي، سيساهم في جعل هذا الطفل، أينما كان (المدينة أو القرية)، محبا للمدرسة وما يوجد فيها. عوض تلك الصورة التي كان يلج بها هذا الطفل قسم التحضيري ولم يسبق له أن أمسك قلما وورقة بيضاء ليرسم ويستمتع كما يحلو له، ولا غنى ورقص وضحك مع أقرانه، ولا استأنس بمدرسته أو مدرسه، ولا بالمدرسة كمكان لتعلم القيم وغيرها. بل كانت الصورة المعروفة، لاسيما في الأمكنة التي لم تكن تتوفر على التعليم الأولي، أن الطفل حينما يلج قسم السنة الأولى من التعليم الابتدائي، يبدأ، في الصراخ والعويل وهو ممسك بألبسة أمه أو أبيه، بينما اليد الأخرى، وهي يد المدرسة أو المدرس تجره نحو القسم، في حين من استأنس بالتعليم الأولي كان ينظر لقرينه هذا وهو يضحك ويسخر منه، بل وحتى حينما يتجاوز مرحلة الفطام الاجتماعي والتربوي هاته، يجد نفسه ضمن مجموعة زادها “لاشيء” مما يعيق بناء التعلمات من لدن المدرس، ويكون تكافؤ الفرص مجرد شعار فارغ.
اليوم، وفي أفق تحقيق نسبة، مائة في المائة، كتعميم ملزم للأكاديميات باعتبارها المدبرة لقطاع التعليم المدرسي جهويا، وهو ما من الممكن معايشته لاحقا، علينا تثمين هذه الإلزامية، لاسيما وأن أثرها سيكون واضحا بالنسبة للأسر التي لم تكن تملك هذه الإمكانية في قراها ومدنها.
د.الحبيب ناصري
المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين
الدار البيضاء