اقلام واراء
ابداعاته ترسخ لثقافة عالمة متجددة وقضايا جمالية وانسانية واجتماعية
بلمسات خفيفة تارة، وأخرى في لحظة تأمل اللون والضوء الذي يميل على زوايا اللوحة، التي أوجدها هذا الفنان الظريف، يقف المبدع خالد طايطاي، امام لوحته غير مقتنع، بما أضافه عليها من لون شفاف وبهيج، وهو ما اضفى كثيرا من الشاعرية على لوحته، التي يرسمها بهدوء وسكينة برواق الخزانة الوسائطية التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط بخريبكة، في إطار إقامة فنية، يؤطرها الفنان المحترف سعيد ازرايب، ويشارك فيها فيض من الفنانين الحالمين بسحر اللوحات وبهجة الألوان وتجلياتها في الزمان والمكان.
خالد طايطاي، مبدع متعدد المواهب، فنان أكاديمي، قادم من كوكب اخر، فيه الكثير من الهمس والشاعرية والرؤية المستقبلية للعالم والموجودات، فنان يؤمن بان الفن التشكيلي سماء بملايين النجوم، وشموس مضيئة لها بهاء اسطوري حد الابهار، جوهر اللوحة في حضرته، ولؤلؤها المتلألأ مثل ذهب الأنهار المسافرة على الدوام، حكايات لا حدود لها. هو فنان شاعري، وشاعر فنان، يدرك بان الحياة من غير فن لا تساوي جناح فراشة، وان الفراش من غير جناح زاهي، كلوحة هاربة بظلالها وقت الهزيع الاخير، باتجاه غسق الغروب.
حين تتحدث الى هذا الفنان المثقف، تدرك ان اللوحة مليئة بالافكار والحكايات والاساطير، بها اعشاش تنبض بالحياة، وعصافير تنشد موال الحرية في باحة الدار الكبيرة وقت الظهيرة، حيث الكبار نيام، فيما الأطفال يملؤون الفضاء مرحا وشقشقة وانشراحا.
تلك بعض من اطياف لوحات الفنان الأكاديمي خالد طايطاي، التي تكرس القيم الفنية والجمالية في نصه التشكيلي، كنص ابداعي ومعرفي باذخ، ولتتحول اللوحة عنده، الى مشروع فني حداثي تتعانق فيه، كل القيم المجتمعية والمسحة المعاصر الجذابة، التي تجعل من فنه احساسا داخليا بعشق الفنون الكونية والإنسانية، بكل تجلياتها الصوفية والتراثية والمستقبلية.
ان لوحات الفنان خالد طايطاي، اطلالات مشرقة على عوالم تقيس نبض الروح، وتلامس خيال الجمهور بكثير من التقدير، في محطات كثيرة هنا وهناك، وفي عدة تظاهرات متنوعة، ومواضيعه متنوعة تتوزع بين التراثي والمجتمعي، تحضر فيها تيمة التربية على المواطنة، كما تحضر فيها المرأة والطفولة وشوق الوطن والهجرة وسؤال الحياة وروعة الانطباعية، وغيرها، كنسق فني وانساني ووجداني، ببعده الاجتماعي والجمالي والشاعري الرقيق.
ان تخصص هذا المناضل والناشط الجمعوي، والفنان الاكاديمي في مجال تدبير المقاولات، ومسؤوليته عن برامج شبكة مغاربة العالم، واهتمامه بذوي الاحتياجات الخاصة، ومن هم في وضعية صعبة، جعل الفن في حضرته، هبة اجتماعية من السماء، ورقصة شاعرية تنضح ببسمة الأمل، واحتفالا لونيا، يزرع السعادة في وجه المحرومين، ويهدي الدراويش والمستضعفين والضعفاء فيضا من أحاسيسه الجياشة الباعثة على الامل.
انها شكل من اشكال التضامن، وبعث الروح الخلاقة والطاقة الايجابية المنعشة في نفوس الكثير من الفئات المحروم، وهو ما حذا به في كثير من المناسبات والمعارض، الى ان يتبرع باعماله، لفائدة أعمال خيرية، ومبادرات إنسانية سواء في المستشفيات او في الملاجئ والجمعيات وغيرها، دعما من فنه المطلق وابداعه للحياة، ونبذ كل اشكال التهميش واللامبالاة، وترسيخ قيم التسامح والتعايش والمحبة بين الجميع.
الاكاديمي خالد طايطاي، خبر الفن التشكيلي منذ نعومة أظافره، واثناء مرحلة الدراسة الابتدائية حيث توجت خربشاته الأولى بعدد من الجوائز التقديرية تشجيعا له على العطاء، خاصة ضمن برنامج (عمي ادريس)، وتدرج في عالمه، فصقل موهبته الفنية، واكسبها احترافية عالية، من خلال دراسته الأكاديمية بعاصمة الانوار باريس، لم تقف حجرة عثرة امام مواصلته البحث في عالم الفنون التشكيلية وتقديم الأجمل، والإنصات الى نبض الجمهور، وعشاق الرسم، وابداع مزيد من اللوحات والالوان والاشكال.
جولة خفيفة في عالم الفنان طايطاي، وهو فاعل جمعوي وعضو فعال في العديد من الجمعيات، يدرك من خلالها الملتقي ان اللوحة لديه، مستوحاة من قضايا وظواهر اجتماعية كالشباب والهجرة، لوحات ميزتها الحلم والامل، وفيض من الظلال والضوء، والأشكال المعاصرة التي توحي اكثر ما تقول الحقيقة، انه احساس بعنفوان المراة البهية، كنقطة ضوء حين تشع بصولجان عيونها ذات قمر مكتمل، يطل من الأعالي على نجوم السماء، انه احساس بزهو الأنوثة في كف العذارى، رقصة معاصرة لريشة يهبها النسيم ساعة الفجر ارق انتعاش، انها شبيه لأحصنة مطهمة تستريح تحت ظل شجرة في انتظار الصهيل الشاعري المقبل، للعدو باتجاه المستحيل.
تلك اذن بعض من الاشراقات الإبداعية، التي توحي بها لوحات الفنان التشكيلي الأكاديمي والأستاذ الجامعي خالد طايطاي، فضلا عن رسوماته الكاريكاتورية المعبرة، انها اشراقات تشكيلية تهب المتلقي إحساسا برقة كل ما هو تراثي ومجتمعي، وايضا بكل ما فيه من نظرة معاصرة للاشياء والموجودات والعالم.
انها تشكيلات فريدة، لا تعيش في جلباب الآخرين، تزهر بفيض من المشاعر والأحاسيس التي يستشعرها الفنان، في علاقته بالذات والآخر، لوحات تقيس حدود الروح في زوايا الوطن والوجدان، وتهدي الأطفال بسمة الحياة، كما تقدم للمرأة أزهارا للصفاء والمودة في أعياد الميلاد.
انها لوحات ذات بعد إنساني وجمالي، وتستند الى مرجعية إبداعية، تصون الذاكرة الثقافية والتراثية، كما تنتصر للقيم الجمالية، بأسلوب حداثي يغري بالمشاهدة، وهو ما ينتج فيضا من العلامات الدالة والإسقاطات الفنية التي تمنح للمتلقي متعة بصرية مشتهاه بلا حدود، تنعش القلب والروح، وترتاح لها العيون، وهي تتأمل تلك الظلال والألوان المسافرة على الدوام.
هكذا يمكن اعتبار الفنان التشكيلي خالد طايطاي، الذي يزاوج في تجربته الفنية بين الموروث الثقافي والأسلوب الحداثي الذي تتناسق فيه الافكار والاشكال والمعاني، مع ميل رقيق الى الانطباعية، واحدا من فناني المستقبل، يرسم وفي رسمه، ترسيخ لثقافة عالمة متجددة، وقضايا جمالية وانسانية واجتماعية، تتعانق فيها الأحاسيس الشخصية، والضمير الجمعي، برؤية حداثية مثيرة ومشوقة، فتتحول معها اللوحة الى علامة سيميائية أحيانا موغلة في بلاغة الغموض والابهام، فتطرح فيضا من الاسئلة الفلسفية، وهو ما ينتج الكثير من المعاني والأفكار، واحيانا اخرى ترسم صورة واقعية انطباعية، قد تكون مباشرة، وذاك هو السهل الممتنع، لكن فيها الكثير من البهجة والانتشاء والجمال والشاعرية والرؤيا الإبداعية الخلاقة.
يشار الى ان فناننا الحالم، وهو استاذ جامعي وفاعل جمعوي وخبير في مجال الاقتصاد الصناعي والاستراتيجي وباحث في سوسيولوجيا التنظيم وعلم النفس، سبق وان نظم عدة معارض فردية وجماعية داخل الوطن، بكل من المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط وورزازات وغيرهما، وخارج المغرب، وخاصة بفرنسا ما بين سنوات 1999 و2016، فضلا عن معارض اخرى بكل من اسبانيا وفرنسا والبرازيل، وهو الان يواصل بحثه في عالم الفنون التشكيلية، ضمن مشاريع فنية لها امتداد ابداعي حالم، راسما بالوانه المبهرة عوالم تسحر الألباب، وتأسر الافئدة والخواطر.
كما التقت تجربته التشكيلية مع عدد من الفنانين الحداثيين، في معارض عدة، ولقاءات مع فنانين من مختلف الجنسيات، وهي تجربة زاوجت بين فن تشكيلي أكاديمي بفلسفة هلامية، وتشكيل انثوي رقيق، تتعانق فيه معاني الجمال بالسحر، وملامسة قرص شمس، كأنها قطعة من حلم، تسافر إلى مرقدها ببرج الرونق والجمال، فتغطس في اقاصي بحر الجمال مثل صحن ليمون.
المصطفى الصوفي(ناقد فني)