الدكتور الناصري: في الحاجة إلى حصص تكوينية في ديداكتيك الصورة

الدكتور الناصري: في الحاجة إلى حصص تكوينية في ديداكتيك الصورة

 

تقديم

من الصعب، فهم عالم اليوم بمعزل عن الصورة. بالصورة، تمرر العديد من التمثلات وترسخ في قلوب وعقول العديد من الناس. مجتمعاتنا العربية لازالت وفي المجمل (مع وجود بعض الاستثناءات)، تصنع صورها من لدن الآخر. التكنولوجيا تتصارع وتتسارع في زمننا هذا، حد امكانية الحديث عن علم جديد، من الممكن أن نبادر إلى طرحه. إنه علم الصورة. علم له موضوعه ومفاهيمه ومناهجه وخلفياته النظرية المؤسسة له. من يملك القدرة على صناعة الصورة، يملك القدرة على فرض فكره وصوره. منظوماتنا التربوية العربية، غير منفعلة وفاعلة في هذا المجال المتعلق بالصورة. تمثلات عديدة بنيت لدى العربي حول الصورة، وهي تعرقل، اليوم، ترسيخ ثقافة الصورة لديه، مع العلم أنه يقضي عشرات الساعات وهو يشاهدها ويتقاسمها بهاتفه المحمول. لازال في المجمل، غير قادر على أن يكون متحكما في صورته، ومتحاورا مع الآخر بثقافة الصورة في أفق تصحيح العديد من الرؤى. ما السبيل إلى تملك ثقافة الصورة؟.

 من أجل تكوين أساس وتكوين مستمر في توظيف الصورة

 مسح طوبوغرافي تربوي  بسيط لكيفية تدريس العديد من المواد، من شأنه أن يساعدنا على استنتاج، أننا لازلنا بعيدين كل البعد عن توظيف الصورة وبكل أنواعها، كوسيلة تعلمية في بناء تعلماتنا. أظن أن القانون الإطار 51.17 يتضمن العديد من الإمكانات الممكنة، والتي تسمح بتوظيف هذه الثقافة التربوية والمتعلقة بالصورة. من السهل جدا العثور على مكونات منسجمة مع طرحنا، هنا، في هذه الوثيقة التعاقدية المجتمعية (القانون الإطار 51.17). فهل من الممكن تحقيق تجديد تربوي دائم في مدارسنا دون توظيف لهذه الوسائط البصرية؟. هل من الممكن تطوير قدرات المتعلم الإبداعية دون توظيف الصورة؟. هل من الممكن القبض على مدرسة مغربية جديدة دون التجديد في كيفية تدريس التعلمات؟. فهل من الممكن تطوير قدرات المدرس، دون توظيف ديداكتيك الصورة، سواء على مستوى التكوين الأساس أو على مستوى التكوين المستمر؟. هذان النوعان من التكوين، حاضران بقوة ضمن الوثيقة المشار إليهما سالفا. تكوينان، لو حضرت فيهما الصورة، لتغيرت العديد من ملامحهما النوعية المفيدة للمتعلم وللمدرس وللمجتمع ككل.

أسئلة عديدة من الممكن طرحها وتوليدها من خلال القانون الإطار 51.17، باعتباره وثيقة تعاقدية مجتمعية ملزمة للجميع، ومنها تصدر كل القوانين المنظمة للفعل التربوي ككل. الصورة، إذن، إحدى هذه الدعامات والوسائل الممكن الرهان عليها لتطوير قدرات المتعلم والمدرس وكل من له صلة بالتعلم.

من الممكن التفكير ومن الآن في كيفية تحقيق هذا التكوين، والذي سيكون له أثر واضح ومهم جدا، سواء على مستوى مردودية المتعلم داخل القسم أو على مستوى بناء شخصيته وجعله مواطنا معتزا بوطنه وقيمه الدينية المعتدلة المتسامحة، وانفتاحه على العالم، ليكون قادرا على فهمه والتفاعل معه.

مجزوءة التكوين في ديداكتيك الصورة

هذه المجزوءة، من الممكن أن تكون بمثابة جذع مشترك، تجمع بين جميع الشعب أو التخصصات، بل ومن الممكن أن تكون مفيدة أيضا حتى بالنسبة لمسلك الإدارة التربوية. محتوى تكويني هو اليوم، حاجة وضرورة تكوينية، في أفق تعميمه على جميع المدرسين الذين تخرجوا سابقا وحتى القدامى.

إن الهدف العام لهذا التكوين والمتعلق بترسيخ الصورة كوسيلة تعلمية لدى المدرس، هو تمكن هذا المدرس من توظيف الصورة في بناء تعلماته، ومن خلال العديد من المراحل التي يسلكها في القسم. منافع عديدة سنجنيها ونحن نوظف الصورة (مشهد من فيلم روائي أو وثائقي أو فوتوغرافيا أو تشكيل أو رسومات يدوية، الخ).

هناك العديد من السيناريوهات البيداغوجية التكوينية الممكنة والسهلة بما فيها حتى التكوين عن بعد، لتحقيق ما طرح هنا. إمكانيات بسيطة وغير مكلفة، هو ما من الممكن أن نحتاجه لتعميم هذا التكوين على الجميع. فهل من آذان صاغية لتحقيق ما طرحناه هنا؟. غايتنا طبعا الانخراط الكامل في تنزيل العديد من الممكنات الموجودة في القانون الإطار المشار إليه سابقا. قانون من الممكن اعتباره قفزة كمية ونوعية في مجال الإصلاح الصامت داخل منظومتنا التربوية وبمعزل عن “صياح” غير مفيد ومعرقل لتطوير منظومتنا التربوية. أكيد أن تنزيل هذا القانون داخل مدرستنا المغربية وبطريقة سليمة وجماعية واجتهادية ومبدعة، الخ، سيساهم في حلحلة العديد من القضايا التربوية، وسيضمن لنا تغيير العديد من ملامح هذه المنظومة لاسيما وأن هذا القانون قد صيغ من لدن العديد من الفاعلين في هذا الحقل.

عدة نظرية ورقمية وتطبيقية وورشاتية عن قرب وعن بعد، وفي مدة زمنية تقدر ببضعة شهور، نكون قد حققنا العديد من الأهداف والكفايات المنشودة المتوخاة من هذا التكوين المتعلق بالصورة. طبعا، منافع عديدة من الممكن حصدها  من خلال هذا التوظيف للصورة، لاسيما ونحن نعيش بين أجيال شبابية تتقن التكنولوجيا وتبدع بها، لكنها لا تجد فرصة توظيفها داخل القسم. بهذا التكوين للمدرس من الممكن أيضا أن نزرع لدى المتعلم كيف من الممكن أن لا يصور إلا ما هو جميل وألا ينشر بهاتفه المحمول إلا ما يسر الناظرين وليس التهافت على “اصطياد” عورات الناس ومحاولة البحث عن المال من خلال البحث عن “البوز” . التكوين في الصورة صمام أمان تربوي ضد العديد من مظاهر القبح والتطرف والعنف. فهل من آذان صاغية  لصيحاتنا التربوية؟.

د.الحبيب ناصري

المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين

الدار البيضاء

Related posts