المصطفى كليتي: عاشوراء طقوس احتفالية موروثة

المصطفى كليتي: عاشوراء طقوس احتفالية موروثة

 

عندما تدخل السعادة إلى قلوب الآخرين ستعرف السعادة عنوانك

                     *وليام شكسبير

 

عاشوراء في المغرب تكتسي حلة وحالة خاصة ، فهناك من  يعتبرها عيدا يطيب فيه الفرح والأكل والشرب والتفكه بالفواكه اليابسة والجود على الفقراء بالصدقات وتمتيع الأطفال باللعب والملابس الجديدة وأصناف الحلويات المعدة بالمناسبة ، وتبقى النظرة إلى ظاهرة عاشوراء في الموروث الشعبي الديني والعرفي موزعة بين نظرتين على طرفي نقيض ، نظرة الشيعة الذين يرون بأنه يوم أسود ويلبسون خلاله الأسود دلالة على مقتل حفيد النبي الحسين في اليوم الذي يصادف العاشر من محرم الذي قتله الأموي يزيد بن معاوية في حرب كربلاء،ويحتفل الشيعة بطقوس غاية في الدرامية وهم يقومون بشق الرأس و الصدرجالدين الذات بقسوة، حتى يتسربل الجسد بالدم ندما على اغتيال سبط النبي الأعظم  ويعتبر البعض فرحة عاشوراء نكاية بالشيعة وأهل البيت ، وهذا الإحتفال بدعة من أهل السنة ، وفي قراءة آخرى ، عاشوراء اليوم العاشر من محرم في التقويم الهجري وهو يمر فرحة عند أهل السنة ففي هذا اليوم المائز نجى الله فيه موسى من بطش فرعون ، كما أن هذا اليوم عرف أحداثا كبيرة في التاريخ الإسلامي .

هل تعتبر طقوس عاشوراء موروثا عن الأمويين الذين احتفلوا لعشرات السنين بعد الجريمة الشنعاء  التي ارتكبها يزيد في حق حفيد النبي وأهل بيته ؟

أم لطقوس  عاشوراء أصول ضاربة في القدم مردها للوتنية والموروث اليهودي المتداخل مع التاريخ الإسلامي في كثير من التفاصيل .

فلما وجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، اليهود يصومون يوم عاشوراء قال ” نحن أولى بموسى من اليهود ” وأضاف صيام اليوم التاسع إلى اليوم العاشر تميزا عن اليهود .

إن العشر الأولى من محرم ، هي فاتحة السنة الهجرية ، والتي تؤرخ أساسا لفتح مكة ، وانتصار الإسلام والمسلمين وانتشار سلطة دولة الإسلام في العالم وأشار القرآن إلى ذلك في سورة الفتح ” إنا فتحنا لك فتحا مبينا ، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا ” مقدمة سورة الفتح .

ونحن في مدارج الصبا كانت تتم تسمية  يوم عاشوراء ب ” يوم زمزم ” ، وفي هذه المناسبة تقوم احتفالية تتمثل في رش وصب الماء تبركا وطلبا لتوسيع وفرة الرزق ، وكان التجار في المدن يرشون الماء على سلعهم ، أما في القرى المغربية ، فإن الماء يحظى بقدسية وإجلال ، فيعمد الفلاحون والنساء القرويات منذ إشراقة نجمة الصباح وقبل شروق الشمس واستوائها إلى رش كل مايملكون بالماء البارد ، تنضح الكسيبة  من غنم وبقر وماعز ودواجن ومخزون الحبوب بالمطمورات بالماء وكذا ترش وجوه البنات والأولاد ، الذين يتنافسون في البكور ، أعتقادا حسب ـ المأثور ـ من يجتهد ويستيقظ أولا سيكون طوال عامه كذلك ، ومن يتقاعس حتى تحمى شمس النهار ، يغرق في عسل الكسل مدار العام !

وجرى الظن عند العامة بأن كل ما مسه الماء ينمو ويزكو ويبارك المولى فيه .

وتعزى عادة رش الماء إلى طقوس دينية إسلامية ويهودية منذ قرون خلت ، فالماء حسب المتخيل العام كان سببا لنجاة نبي الله موسى من ظلم فرعون وجنوده الجبارين ، حيث انفلق البحر فلقتين وأغرق فرعون ومن معه من العتاة الجبارين .

وكان الإحتفاء والصوم ابتهاجا بهذا النصر المبين .

وقد أخذ التراشق بالماء عند الأطفال بالمغرب منحى آخر ، ففي يوم زمزم ـ العاشر من محرم ـ يقوم أطفال الحي بتبادل رش الماء على بعضهم البعض ، بل ويتفرغ عدد من الأطفال واليافعيين والشباب في الأحياء الشعبية لرش كل من يمر بالماء ، ومع مرور ساعات اليوم يحمى وطيس معركة المياه بين ساكنة الأحياء ، ومما يزيد الأمر بلة إضافة البيض إلى الماء وبعض السوائل الضارة فيترصدون عامة المارة ولاسيما الفتيات والسيدات وقد يناوشون كل عابر سبيل بالمفرقعات الصينية المزعجة مما يجعل الطقس الإحتفالي يفقد رمزيته وتقع مشادات وخصومات مما يدعو لتدخل سلطة الأمن الزاجرة .

دأبت الأسرة المغربية على الإجتماع يوم عاشوراء ، وتوزع على الأبناء حصة الفاكية / الفاكهة مزيج من مختلف الفواكه الجافة والمكسرات من لوز وجوزوكاكاو وحمص وفستق وما إلى ذلك ، يتم التوزيع بالتساوي على كافة الأفراد الحاضرين ، أما الغائبون والأموات فتوزع حصصهم صدقات .

ولا تخلو مناسبة عاشوراء من تصرفات عشوائية وخرافية وإن لم نقل شيطانية ، تدخل في باب السحر والشعوذة ، فعلى مد النهار يتم التحضير وإعداد ” زبية ” نار ، فيجمع الأطفال والشباب أكوام المتلاشيات وحطام الأعواد والأشجار وحتى إطارات السيارات الممسوحة ويشعلون ” الشعالة ” في ساحة واسعة عند حلول الليل ، فيشرع الشباب الأقوياء في التباري والتنافس فمن يستطيع القفز وتجاوز مدار الشعالة الملتهبة ، وسط هرج ومرج يتقدم المغامرون إلى شعلة النار ،وربما تلك الممارسات والمظاهر ناجمة عن مظاهر احتفالية مغرقة في القدم تم الإحتفاظ بها بعد اعتناق الإسلام ، فالقفز على النار ماهو في حقيقة الأمر إلامقاومة ومحاربة كل سحرراصد  وعين حاسد وشر ناقم.

  بيد أن بعض النساء لهن إدراك خاص بأهمية ” شعالة ” في عاشوراء فيجتهدن على تحضير وصفات سحرية ، ترتبط بالشعوذة بهدف ” ترويض ” الزوج المتسلط ، فيلجأن إلى  أطفال صغار لقذف تلك ” الخلطات ” الغريبة والعجيبة لتلتهمها ألسنة النيران وقد تبضعن من عند العطارـ سابقا ـ  بكل ماهولازم ومناسب من ” ذيل الفار ليتيم ” وشبة ” وحرمل ” و” جاوي ” و” التفوسيخة ” والعديد من المواد المكرسة التي تستعمل لجلب المحبوب والحظ والرزق وإخراس لسان الرجل حتى لا يرفض لهن طلبا أبد الدهر ، فترمى  ” الطلاسم ”  وسط ألسنة النار لتتحقق أمانيهن في  السيطرة على سلطة الرجال والحد من جبروتهم  وكبريـــائـــــهم.

تجتمع نسوة الحي ـ في هذا اليوم المشهود ـ على قصعة ” القديدة ” وهو حفل تستهدف فيه امرأة عاقر حتى ترزق بفرحة مولود يدخل البهجة لحياتها ، فتأتي كل امرأة بقطعة لحم مقدد من خروف عيد الأضحى ، فيجتمعن في بيت المرأة ويجهزن وجبة كسكس فاخرة بالقديد والخضر، وفي الختام يقلبن ” القصعة ” رأسا على عقب بعد الإنتهاء من الأكل ويتم صب الماء فوقها فإن سار مجرى الماء نحو المرأة المعنية فستلد في ذلك العام ، وإن كانت الوجهة مخالفة فلتنظر إلى يوم عاشوراء قادم لتعيد الكرة !

 وبعد ذلك تنتقل النسوة إلى احتفالات صادحة وهن يضربن على ” تعاريج ” مزركشة بألوان مختلفة وهن يرفعن الأصوات بالأهازيج والغناء وتتم دعوات المحتشمات إلى المشاركة في الرقص والفرح وهن يرددن اسم ” عاشور ” شخصية أسطورية ، لها حضور قوي في الذاكرة الشعبية المغربية ، مرددات ضربا على الدفوف ”  قديدة قديدة منشورة عل لعواد

بابا عيشور جا يصلي داه الواد “

” عيشوري عيشوري

دليت عليك شعوري

عيشوري عيشوري

عليك دليت شعوري

حق بابا عيشور ماعلينا حكام يالالة

سيد الميلود يحكمو الرجال آلالة

هذا باب عيشور ماعلينا حكام …”

عاشوراء عند المغاربة ، تميزت بمرجعيات تاريخية دينية ، كما أن طقوسها عادات وتصاريف متداخلة ورثها الخلف عن السلف  ، في البحث عن جرعة مرح وفرح ، في وقت عم فيه غم وباء كورونا ، وكسدت الأنشطة التجارية وبارت الحلويات والفواكه اليابسة أبرزت أساسيات عاشوراء ، كما أن الشارع العام لم يعد حرا بل تحكمه ضوابط الحجر الصحي وإكراهاته ، لعل الإحتفاء بعاشوراء لن يكون كالمعتاد ، وقد سدت علينا كورونا منافذ كل فرحـــــة وبهجــــة .

*المصطفى كليتي

Related posts