اقلام واراء
من “الطاهر بلفرياط” إلى الخلود… سيرة فنان لا ينسى
توفي اليوم الثلاثاء الفنان المغربي الكبير عبد القادر مطاع، مخلفا ورائه ارثا فنيا راقيا، حيث ويُعتبر الراحل أحد أعمدة التمثيل المغربي طيلة أزيد من ستة عقود من العطاء والإبداع المتواصل.
قدّم مطاع، الشهير بلقب “الطاهر بلفرياط”، مجموعة من أروع أدواره في الدراما التلفزيونية المغربية، التي شكّلت جزءًا من ذاكرة أجيال من المشاهدين. وقد لمع نجمه خصوصًا في مسلسل “خمسة وخميس” (1987)، حيث جسّد شخصية “الطاهر بلفرياط” التي أصبحت علامة فارقة في تاريخه الفني. كما تألق في مسلسلات أخرى من قبيل “ستة من ستين” (1988)، “أولاد الناس” (1999)، “دواير الزمان” (2000)، و**”يوم ما يشبه يوم”** (2008)، والتي أكدت جميعها قدرته على تقمص الأدوار وإيصال مشاعرها بصدق وتلقائية.
وُلد عبد القادر مطاع بمدينة الدار البيضاء سنة 1940، ونشأ في حي درب السلطان، حيث بدأت شرارة شغفه بالفن والمسرح من خلال جمعية الكشافة، التي ساهمت في صقل موهبته الأولى. انقطع عن الدراسة في سن مبكرة، وعمل في مهن بسيطة مثل بيع الخضر والنجارة، قبل أن يجد نفسه في عالم التمثيل الذي سيتحول إلى مسيرته الحياتية والمهنية الكبرى.
في بداية الستينيات، التحق بفرقة المعمورة للمسرح التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، وهناك برزت موهبته المسرحية، فشارك في مجموعة من العروض التي صنعت اسمه في المسرح الوطني المغربي. من أبرز أعماله المسرحية:
“الصحافة المزورة”، “أمجاد محمد الثالث”، و”سيدي عبد الرحمان المجدوب”، وهي أعمال تركت أثرًا قويًا في ذاكرة المسرح المغربي، لما حملته من مواقف فكرية وإنسانية عميقة.
وفي المجال السينمائي، بصم مطاع حضوره في مجموعة من الأفلام التي شكلت علامات فارقة في تاريخ السينما المغربية، أبرزها:
فيلم “وشمة” (1970) الذي يُعد من الروائع الأولى للسينما الوطنية، وفيلم “البراق” (1973) الذي كرّس اسمه كممثل متكامل قادر على أداء أدوار متنوعة بعمق وإتقان، ثم فيلم “البانضية” (2004) الذي عاد فيه إلى الشاشة الكبيرة مجددًا، ليؤكد استمراريته وتألقه رغم تقدمه في السن.
امتدت مسيرة عبد القادر مطاع لأكثر من ستة عقود، شارك خلالها في المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة، وترك بصمة فنية واضحة في كل هذه المجالات. كما كان أحد الأصوات البارزة في فرقة التمثيل الوطنية التابعة للإذاعة والتلفزة المغربية، ما منحه شهرة كبيرة حتى قبل ظهور التلفزيون بشكل واسع في المغرب.
تميّز الراحل بأدائه الإنساني والمهني العالي، وكان نموذجًا للفنان الملتزم الذي يضع الرسالة قبل الشهرة، كما وصفه زملاؤه. كان يؤمن بأن الفن فعل وعي ومسؤولية، وأن على الممثل أن يعبّر عن قضايا مجتمعه بصدق واحترام للجمهور.
لقد ساهم عبد القادر مطاع في تأسيس الذاكرة الفنية المغربية، وشارك في بناء جسر بين جيل الرواد وجيل الشباب، بفضل عطائه المتواصل وأدواره المتنوعة التي جمعت بين الكوميديا والدراما. وبفضل صوته وأدائه، ظلّ حاضراً في وجدان المغاربة لعقود طويل
وبرحيل هذا الفنان الكبير، فقدت الساحة الفنية المغربية أحد رموزها الكبار، الذين ساهموا في ترسيخ هوية التمثيل المغربي، وأغنوا الثقافة الوطنية بعقود من العمل الجاد والإبداع المتواصل.
المصطفى الصوفي












