جبير مجاهد:
في إطار فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الدولي لسينما الجبل، الذي تحتضنه أوزود بإقليم أزيلال، وضمن فقرة “بانوراما السينما المغربية”، شهدت الساحة الكبرى بأوزود عرض فيلم “دوار العفاريت” للمخرج المغربي بوشعيب المسعودي، ضمن وسط تفاعل كبير من الجمهور العريض الذي تابع هذا العرض والذي قدر بالمئات.
ويأتي عرض الفيلم في إطار انفتاح المهرجان على الإنتاجات السينمائية الوطنية التي تعكس قضايا الهوية والذاكرة الجماعية، متماشيا مع شعار الدورة الحالية التي تحمل شعار: “الانفتاح على ثقافات الجبال وتثمين التراث الطبيعي والإنساني للمنطقة”.
يحمل فيلم “دوار العفاريت” بصمة خاصة تعكس أسلوب المخرج بوشعيب المسعودي، الذي يعرف باهتمامه بالمواضيع الاجتماعية والانسانية العميقة، وتجلى ذلك في الأفلام الوثائقية التي أشرف على إخراجها، حيث تدور أحداث الفيلم حول بلقاسم، وهو رجل متقاعد يعيش حياة هادئة، بين المسجد والمقهى ولعبة الكرات الحديدية مع صديقه المتقاعد من فرنسا. يقرر شراء سيارة مستعملة، وبعدها يكتشف أن السيارة مسروقة، ما يدخل حياته في سلسلة من المتاعب والمغامرات التي عليه مواجهتها.
وقد تميز العرض بحضور عدد من الوجوه السينمائية والثقافية، إضافة إلى المجتمع المدني وسكان المنطقة، الذين وجدوا في الفيلم مرآة تعكس تفاصيل من واقعهم المعاش، وهو ما جعل التفاعل مع الفيلم حقيقياً ومؤثراً.
وفي معرض حديثه عن خلفيات الفيلم وظروف تصويره، أكد المخرج بوشعيب المسعودي أن الهدف من العمل لم يكن فقط تقديم قصة درامية، بل أيضًا توثيق الذاكرة الشعبية وتقديم رسالة إنسانية تدعو إلى التفاهم والتسامح والانفتاح على الآخر.
يُذكر أن المهرجان الدولي لسينما الجبل بأوزود، الذي تنظمه جمعية أطلس أوزود، يسعى منذ تأسيسه إلى خلق جسر تواصل بين الثقافة السينمائية وقضايا الجبل، مع الانفتاح على تجارب محلية ودولية تُثمن التراث الطبيعي والإنساني للمناطق الجبلية.
وقد شكل عرض فيلم “دوار العفاريت” لحظة فنية متميزة داخل البرنامج العام للمهرجان، لما حمله من مضامين قوية، وصورة سينمائية بديعة، ومرافعة صامتة لصالح الجبل والإنسان البسيط الذي يسكنه.
تكمن جمالية هذا الفيلم في صدقه الفني وبساطته العميقة؛ فهو لا يعتمد على الإبهار البصري أو التعقيد التقني، بل يخلق تأثيرًا قويًا من خلال تصوير الواقع المغربي القروي بلغة سينمائية قريبة من الناس. يوظف الفيلم الكوميديا السوداء ليُضحك المشاهد ويُبكيه في آن، حيث تنبع جماليته من التناقضات الإنسانية اليومية: الضحك وسط الحزن، الأمل في قلب الخيبة. المكان نفسه—الدوار—يتحوّل إلى كيان حيّ ينبض بالذاكرة والهوية. بتفاصيله الصامتة، وحواراته البسيطة، يترك الفيلم للمُشاهد مساحة للتأمل، مما يجعل جماله نابعًا من الإلفة، ومن الإحساس العميق.












