المعرض يقام بمبادرة من رابطة كاتبات المغرب لترسيخ قيم الإنصاف والحرية
في معرضها الجديد، الذي يقام حاليا بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، تلامس الفنانة والأديبة لبابة لعلج، فيضا من القضايا الإنسانية، وذلك من خلال الاحتفاء بنساء العالم، وما قدمنه من تضحيات في سبيل الحرية والحياة.
هذا المعرض، الذي يفتح في وجه الجمهور حتى العشرين من شهر مارس 2023، يقام بمبادرة من رابطة كاتبات المغرب التي تترأسها الأديبة بديعة الراضي، تكريما لنساء مبدعات وفاعلات في مجتمعاتهن، ناضلن من أجل بناء صرح الحضارات والثقافات، وترسيخ قيم الإنصاف والحرية، وكذا إسماع صوتهن للخروج من عتمة الظل إلى دائرة النور.
افتتح هذا المعرض الجمالي والفني الرفيع بمناسبة انعقاد المؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات إفريقيا الذي انتخب بديعة الراضي رئيسة، حيث تميز بافتتاحه من قبل وزير والشباب والثقافة والتواصل السيد محمد المهدي بن سعيد، ووزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة السيدة عواطف حيار على رأس وفد رفيع المستوى.
وتتوزع لوحات المعرض التي فاقت الأربعين على محورين، الأول مخصص لمختارات من أيقونات الفن التشكيلي بصيغة المؤنث، من خلال لوحات أبرزت فيها الفنانة لبابة مسار خالدات مثل فريدا كاهلو، زها حديد، بايا، كاميل كلوديل، نيكي دي سانت فال، مربم أمزيان، الشعيبية، زهرة الزيراوي، سونيا ديلونايي، إليزابيث فيجي لوبران وأرتيميسيا جنتلسكي إضافة إلى كيمبافيتا، ومايا أنجيلو و ٱنا نزينجا. كما احتفت بمختارات من الأعلام المعاصرة عبر التجارب الاستثنائية لكل من شورنتزغ سوخبات، ووانجيتشي موتو، ويايوي كوساما، وسيندي شيرمان، ويان لوتملان، وميزا.
في المحور الثاني لهذا المعرض، عرضت لبابة لوحات تشكيلية استلهمت فيها نماذج من سيدات العالم اللواتي بصمن الذاكرة الجماعية أمثال بلقيس، مريم العذراء، نفرتيتي، إيزيس،هيميكو، زنوبيا،صافو، السيدة الحرة، زينب النفزاوية، زرقاء اليمامة، فاطمة الفهرية و فاطمة المرنيسي.
وعلى صعيد متصل بادرت لبابة لعلج إلى نشر ديوان بعنوان “أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث”، يتضمن عدة نصوص شعرية ولوحات تشكيلية تخليدا لمسار صفوة من المبدعات على الصعيدين الوطني والدولي، وقد قدم نسخته العربية كل من الناقد والأستاذ الباحث عبد الإله رابحي والفنان التشكيلي والناقد شفيق الزكاري.
واختارت الفنانة بالمناسبة أن تخوض غمار إشكالية المرأة بين الظل والنور، بكل خلفياتها الفنية والسياسية والتاريخية، حيث اشتغلت على منجزها بدقة وصرامة وعمق فني ممتع.
قدم النسخة الفرنسية الأصلية كل من الأستاذ الباحث حسن الأسعد والكاتب الإعلامي خليل الرايس، وترجمه إلى العربية الناقد الفني عبد الله الشيخ، وهو تكريم اعتباري لمبدعات موهوبات لم يكن بمقدورهن التعبير عن ذواتهن بحرية.
وأكدت الناقدة والأديبة زهور كرام، حول هذه التجربة أن الإقامة في اللوحة عند لبابة سر فني، ومتعة جذابة، وأعلى مراتب التوحد بالذات، وسر من أسرار الخيال، واكتشاف يجدد المعنى بالذات، وتوسيع لأفق الأمل، مضيفة أن تقيم المرأة في الخيال، يعني أن تتحول إلى لغة ورمز وأيقونة، وعلى العالم ساعتها، أن ينتظر الاحتمال المفتوح على الدهشة و الاختلاف
وأضافت ان المرأة في لوحاتها فاعلة في جذب الخيال، وفاعلةٌ في تشييد الرمز، وفاعلة في ترويض القارئ أو المشاهد على التحرر من تبعات وصايا الذاكرة التي تجعل النظرة إليها، تقف عند مفهوم ” المرأة/الموضوع”، حتى تظل لعبة مربحة، وسلعة مُستهْلَكة، وضميرا مغيبا باسم قداسة الذاكرة الجمعية.
وعن تجربتها يقول إدريس كثير، اختارت الفنانة لبابة العلج أن تخوض غمار إشكالية وضعية المرأة في العالم في ما بين الظل والنور، بكل خلفياتها الفنية والسياسية والتاريخية، حيث اشتغلت على منجزها هذا، بدقة وصرامة، ومنحتنا متنا فنيا يمكن قراءته على الطريقة الشبيهة بالطريقة “الطاوية” أي، تعليم العثور على الطريقة، التي تؤدي إلى الاتحاد والانسجام التامين بين الإنسان والطبيعة .
أما الفنان التشكيلي شفيق الزكاري، فيؤكد ان لبابة لعلج أدركت من خلال هذا العمل “أهمية الإبداع ومدى قدرته على الانتصار للحرية وتكسير الصورة النمطية عن المرأة في المجتمعات التقليدية جاعلة منه متنفسا للانعتاق من المعاناة والألم”.
أما الباحث المغربي عبد الإله رابحي، فيوضح انه مجرد الحديث عن المرأة هو خوض، هو إنصات للمسكوت عنه، ذاك الذي يدب أنينا وتفجّعا في دروب الصمت المطبق، مبرزا ان تجربتها هي نتاج قناعة متجذرة في التاريخ لإعادة النظر في الإبداعات الفنية النسائية، على يد امرأة مبدعة اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، معلنة بذلك إنصاف تجارب تشكيلية نسائية نشأت من رحم المعاناة الفكرية والوجودية.
يذكر أن لبابة لعلج، ابنة مدينة فاس، هي فنانة تشكيلية وكاتبة وعضو رابطة كاتبات المغرب، عشقت الفن منذ نعومة أظافرها، حيث نظمت العديد من المعارض الناجحة داخل وخارج المغرب، وتوجت مسارها الإبداعي سنة 2019، بحصولها على الدكتوراه الفخرية من قبل منتدى الفنون التشكيلية الدولي.
عن مسارها وتجربتها الإبداعية صدرت عدة مؤلفات، منها “بزوغ غرائبي”، و”عوالمي”، و”المادة بأصوات متعددة”، و”سيدات العالم: بين الظل والنور” الباحث الجمالي إدريس كثير. فضلا عن مؤلفاتها الأدبية بالفرنسية (كتابات و لوحات)، منها “أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث”، و”شذرات” و”أفكار شاردة”، و”تصوف وتشكيل”، و”ملحون وتشكيل، و”شعر وتشكيل”، و”همس الصمت”، و” موسيقى و تشكيل ( جزءان)،و”رقص وتشكيل” ( جزءان)، و”العيش مع الذات”، و “العيش المشترك”،و”الحب و الفن”،و “الموت و الفن “، و “الزمن و الفن”، و”طريق النور”، و”الجمال و الفن”، و “صوت باطني”و”الحقيقة والفن” … الخ.
مصطفى الصوفي