الدخول المدرسي لذوي الاحتياجات الخاصة: من غموض التطبيق إلى وضوح الحقوق!!

ادارة التحرير15 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الدخول المدرسي لذوي الاحتياجات الخاصة: من غموض التطبيق إلى وضوح الحقوق!!

اقلام واراء

 

بين خطاب الدولة وإرادة الواقع:

مع كل فصل دراسي، يُعاد إحياء الوعد ذاته: “تعليم دامج للجميع”. لكن وراء هذا الخطاب، تقف آلاف الأسر، قلوبها تعتصر ألماً بين أمل في رحمة المؤسسة وخوف من غموضها. إنها معاناة أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يُفترض أن يجدوا في برنامج “دعم التمدرس” مركب نجاتهم، فيجدون أنفسهم في قلب عاصفة من التساؤلات: من المسؤول الحقيقي؟ وأين تكافؤ الفرص الذي تتغنى به الوزارة والجمعيات على حد سواء؟

1 – وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة: بين صياغة السياسات وعجز التفعيل:

تتوسط هذه الوزارة المشهد بوصفها الجهة الوصية والمنظِمة. دورها محوري في وضع الأطر القانونية والبرامج الوطنية (كدعم التمدرس) وصياغة الخطط الاستراتيجية، وتخصيص الدعم المالي للمراكز والجمعيات الشريكة، والإشراف العام على جودة الخدمات. لكن النقد الأساسي يطال ضعف المتابعة الميدانية وغموض آليات التقييم. غالباً ما تبقى الجهود حبيسة المذكرات التنظيمية، دون أن تترجم إلى إجراءات ملموسة على الأرض، مما يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة وتنفيذ غير متجانس.

ولعل الحل يكمن في: إنشاء “لجنة تنسيق وطنية” تضم ممثلين عن الوزارة، وزارة التربية الوطنية، الصحة، والجماعات الترابية، وممثلين عن اتحادات الجمعيات، مهمتها وضع إطار تعاقدي واضح يحدد أدوار ومسؤوليات كل متدخل. بالإضافة إلى رقمنة الملف كلياً عبر منصة إلكترونية موحدة تربط بين جميع الأطراف، مما يحد من الغموض والبيروقراطية.

2➖الجمعيات: القلب النابض الذي يخفق تحت وطأة التحديات:

هنا يكمن قلب المعاناة وأيضاً بصيص الأمل. الجمعيات العاملة في الميدان هي التي تتحمل العبء الأكبر في معالجة إخفاقات المنظومة، فهي التي تشرف على المراكز المتخصصة، وتوفر الرعاية اليومية، وتؤطر الأطفال، وتعمل كحلقة وصل بين الأسرة والمدرسة والوزارة. لكنها تعاني من إشكالية مزمنة: تبعية مالية للدعم العمومي المتأخر أو غير الكافي، نقص الموارد البشرية المؤهلة، وغموض اتفاقيات الشراكة مع الدولة.

وهذا يستدعي: إصلاح نظام التمويل بالانتقال من التمويل بالقطعة إلى التمويل المعتمد على النتائج، وربط دعم الجمعيات بتحقيق مؤشرات أداء واضحة. كما يجب تخصيص ميزانيات مخصصة وشفافة في ميزانيات جميع الوزارات والجماعات الترابية المعنية، مع ضمان الشفافية في توزيعها.

3➖الجهات المتدخلة الأخرى: من العزلة إلى التكامل:

المسؤولية لا تقتصر على الوزارة والجمعيات، بل تمتد إلى وزارة التعليم المطلوبة منها توفير أقسام مدمجة مجهزة وتكييف المناهج، والجماعات الترابية المسؤولة عن الدعم المحلي والبنية التحتية، والقطاع الصحي الضروري للتشخيص المبكر والدقيق. الإشكال الرئيسي هو انعدام التنسيق الفعلي بين هذه القطاعات، مما يجعل كل جهة تعمل في معزل عن الأخرى.

لذا أصبح من الضروري: توحيد المنهجية والمعايير على الصعيد الوطني عبر تطوير دليل إجراءات موحد ومفصل لعملية “دعم التمدرس”، يحدد بدقة خطوات التشخيص وإعداد الخطة التربوية الفردية وآليات المتابعة والتقييم.

4➖الاطر والأسر: شركاء مغيبون في معادلة الإدماج:

لا يمكن إغفال دور المربيات والأخصائيين الذين يعملون في ظروف صعبة، غالباً دون تأهيل كاف أو دعم معنوي ومادي لائق، مما يعرضهم للاحتراق الوظيفي. كما أن دور الأسرة يظل ثانوياً في كثير من الأحيان، رغم أنها حجر الزاوية في عملية الإدماج.

وهذا يتطلب: برامج تأهيل إلزامية ومستمرة تركز على البيداغوجيا الفارقة وطرق التعامل مع الاضطرابات المختلفة، وتحسين الوضعية المادية والقانونية للعاملين في القطاع. بالإضافة إلى إشراك حقيقي للأسر في وضع وتنفيذ وتقييم الخطة التربوية الفردية لأطفالهم، والاستماع المنتظم لخبرة الجمعيات عند مراجعة السياسات.

5➖نحو مستقبل قائم على المحاسبة والنتائج:

مستقبل برنامج دعم التمدرس رهين بمدى جديّة تبني نموذج الحوكمة القائمة على النتائج. فلا بد من تطوير مؤشرات أداء رئيسية واضحة لقياس نجاح البرنامج، مثل معدلات التسرب، مستوى التحصيل الدراسي، والتقدم في المهارات الحياتية. كما يجب إجراء تقييمات دورية مستقلة لنزاهة وشفافية البرنامج ونشر نتائجها لضمان المحاسبة.

ختاما من منطق الرحمة إلى منطق الحق والمسؤولية:

الانتقال من “الغموض” إلى “الحكامة الرشيدة” لبرنامج دعم التمدرس هو مسألة إرادة سياسية قبل أن تكون مسألة موارد. الاقتراحات المطروحة تشكل خارطة طريق عملية قادرة على تحويل البرنامج من كونه مجرد إجراء إحصائي وشكلي إلى سياسة تحويلية تضمن حقاً حقيقياً في التعليم للجميع. فقط من خلال تظافر جهود جميع المتدخلين في إطار من التنسيق الواضح والمسؤولية المشتركة، يمكن أن يكون الدخول المدرسي لأطفالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة مناسبة للفرح بتحقيق الحقوق، وليس للقلق على إهدار الكرامة. لأن مستقبل أي أمة يُقاس بمدى وضوح رؤيتها وإرادتها في حماية حقوق أكثر فئاتها هشاشة

عبد الصديق المجدوبي
رئيس مركز تحديات للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة