تفكيك جماليات السينما الافريقية بخريبكة

تفكيك جماليات السينما الافريقية بخريبكة

 

اقلام واراء

 

اختارت إدارة المهرجان الدولي للسينما الإفريقية، التي اختتمت مؤخرا، طيلة 47 سنة من الإبداع والنضال والاحتفال بالجمال الإفريقي المنوع، اختارت إدارة المهرجان، ندوة فكرية مهمة، شهدها رحاب القاعة الكبرى للخزانة الوسائطية التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط، يوم أمس، وتمحورت حول الجمالية في السينما الإفريقية.

هذا المحور، عميق فنيا، ويفيض بالكثير من الأفكار والخواطر، والقراءات العاشقة، والمتأمل الرقيق في الكثير من التجارب السينمائية الأفريقية، التي صنعت الجمال السينمائي بسحر إفريقي أخاذ ينبهر له العالم.

فالجمالية في السينما الإفريقية، أو جماليات السينما في القارة الافريقية، لما ما يبررها من قيمة فنية رفيعة، حيث يكتسي الموضوع أهمية خاصة لما للجمالية في الكتابة السينمائية، من قوة تجعل السينما أكثر تأثيرا، ذلك أن العلاقة التي تربط الشكل بالمضمون تظل أساسية، ومحورية.

المشاركون، في الندوة الأكاديمية، والتي تابعها جمهور عريض، ناقشت تلك الجماليات من زوايا متعددة، وأدلت بدلوها، في بجر تلك الجماليات بحثا عن اللؤلؤ والمحار، فهل استطاعت السينما الإفريقية في علاقتها بنظيرتها الدولية والكونية، ان تحقق فضيلة الجمال، ومعها يتحقق أفق انتظار المتلقي، والاستمتاع بفرجة راقية، وتلك هي السينما، فرحة وانتشاء واستمتاع، وبعث رسائل الى من يهمهم الامر، بطريقة جميلة وجذابة ومثيرة في بعض الأحيان؟

لا شكل أن الكثير من التجارب السينمائية الإفريقية، من خلال مخرجين كبار حالمين، وممثلين مؤثرين، وكتاب سيناريو مبدعين، سافروا بتلك الجماليات الى افق التمني، وتحقق لهم الكثير من الحضور الوازن، والتتويج، في مناسبات وتظاهرات عالمية، وهو ما يبرز، الأهمية القصوى التي تكتسيها السينما الافريقية على الصعيد القاري والعالمي، ولا أدل على ذلك، حضور ومشاركة نخبة من السينمائيين، في الكثير من المحافل الدولية، حاملين معهم جماليات أحلام، وبهاء صورهم، وحكايا وقصص مجتمعاتهم الواقعية والخيالية وذلك هو سحر السينما.

جماليات السينما، تكمن من وجهة نظرنا، في جعل هذه السينما إبداعا شاملا، يقيس كل توليفة سينمائية متسلسلة، سواء من حيث السيناريو او الكاستنيك، او من حيث الرؤية الإخراجية، وقوة التشخيص، وقد يتعدى ذلك الى مرحلة الانتاج والتسويق، حتى تصل تلك الجماليات الى اكبر عدد من الجمهور، فجمالية السينما الافريقية، تكمن في هذا الفارق الذي يصنعه كتاب السيناريو والمخرجون وإعادة ترتيب قصصهم، وفق مشاهد وإعادة انتاجها من جديد، هكذا يصبح العمل السينمائي لحظة جميلة، وكائن حي، وجميل، يتأسس عبر صور ناعمة وتوليفات بصرية ممتعة، يتوجب على المشاهدين والنقاد، تفكيكها، للوصول الى كنه الموضوع وجوهره، والرسائل التي يحملها الفيلم، انطلاقا من الواقع، فهل استطاعت السينما المغربية، مثلا والسينما الإفريقية، ان تصل الى ذائقة الجمهور، وتترك نوعا من الأثر الجميل في النفس والروح؟.

صحيح ان الكثير من الأعمال المغربية والإفريقية، وهي كثيرة، استطاعت ان تحقق المبتغى، وتحقق أفق انتظار الملتقي، وما اختيارها، مثلا من قبل لجنة الانتقاء، ولجن التحكيم، في المسابقات، سواء للفيلم الروائي التخييلي او القصير او الوثائقي التسجيلي، وأيضا تقبلها من طرف الجمهور، واهتمامها من قبل النقاد، الا دليلا قاطعا على جمالها، ونقط الضوء المشعة فيها، واهميتها في صناعة الفرجة والجمال والفارق.

سحر السينما، وجمالياتها، هي ان تحرك في الملتقي ما هو خفي ودفين، في لحظة صمت رهيبة وتأمل عميق كالتأمل في النار، وهي تجلجل بحطب الصقيع في مشهد خرافي، تتطاير من حوله الشذرات الملتهبة، ذات ليلة باردة وطويلة.

جماليات السينما، تتجلى ايضا في القدرة الفلسفية الخارقة على خلخلة ذاكرة المتلقي، وإثارة الجمال، وإثارة احاسيسه وجعله منخرطا، ومشاركا في العملية الفيلمية برمتها.. جماليات السينما، تكمن كذلك، عند نهاية كل عرض، حينما ينسلخ الملتقي من رزايا القلب والروح، لحظة انتهائه من مشاهدة الفيلم، وهناك من يذرف الدموع، وتلك هي ذروة المتعة البصرية، مهما كانت الصور والمشاهد عنيفة او قاسية او درامية.

فمن يحب الحياة، يروح إلى السينما، وحينما نذهب إلى السينما انما نسير بحب، باحثين عن كل ما له علاقة بهذا الإحساس المرهف والجميل، جمال في الصورة، وجمال في المشاهد، جمال في الموضوع والتصوير والإخراج، وجمال في الموسيقى والبطل والبطلة، حين يلتحمان، وجمال في اللقطات المجازية الموحية والشعرية، التي تتجاوز الحكي المباشر، الى عالم آسر وفتان.

تلك اذن هي بعض من التأملات في عالم السينما بجمالياتها، انطلاقا من هذه الندوة، سينما مبهرة تتحرك بصورها المدهشة، فتترك اثرها الفني، بكثير من التفرد والخصوصية والإبداع، سينما قادرة على محاكاة الواقع بالخيال، كمكون من مكونات هذا الجمال، التي تنقله السينما عبر الصورة، كما تنقله العديد من وسائل التواصل الأخرى، وبالتالي أصبحت الصورة في عالمنا الحديث مفهوما حقيقيا لهذا الجمال، التي نتابعه بشكل يومي عل الهواتف الذكية والجميلة.

فالصورة السينمائية، في هذا الإطار، تصبح منبعا للإلهام، ووسيلة للحوار والتوصل وترسيخ قيم التعايش والتسامح الكوني بين الشعوب والحضارات، والمخرج الحقيقي هو الذي يستطيع ان يصنع من الزمان والمكان، ايقونات مشهدية جذابة ومؤثرة، فالقبح يتحول إلى جمال، والواقع يتحول إلى لحظة مؤثرة في المتلقي، وعنف الصورة، وحقيقيتها وواقعتها تتحول إلى مشهد موحي اكثر شاعرية، وهذا يتطلب من المخرج تقنية لا تخلو من إبداع، وركوب صهوة الحلم والجنون.

بلا شكل، ان أي عمل سينمائي، يخبئ رؤية أيديولوجية جميلة، ومرجعية فكرية وفلسفية، كما يحمل الكثير من الرسائل المبطنة، وهذا يحتاج الى ناقد فذ متمرس، يعرف كيف يفكك هذا الخطاب السينمائي، بحثا عن ذرره، والمشاركون في ندوة الامس، برعوا كل من جانبه، في تفكيك جماليات السينما الافريقية، وطرح نماذجها، وتداعياتها، وافاقها، فكانت الصور اجمل، وكانت معها السينما في القارة الافريقية اكثر جمالية وحلما.

المصطفى الصوفي

 

Related posts